فصل: فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَا فِي «اللّهُمّ رَحْمَتَك أَرْجُو»، «واللّهُ رَبّي»:

وَفِي قَوْلِهِ اللّهُمّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْت مِنْ تَحْقِيقِ الرّجَاءِ لِمَنْ الْخَيْرُ كُلّهُ بِيَدَيْهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَالتّضَرّعُ إلَيْهِ أَنْ يَتَوَلّى إصْلَاحَ شَأْنِهِ وَلَا يَكِلَهُ إلَى نَفْسِهِ وَالتّوَسّلُ إلَيْهِ بِتَوْحِيدِهِ مِمّا لَهُ تَأْثِيرٌ قَوِيّ فِي دَفْعِ هَذَا الدّاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ اللّهُ رَبّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.

.مَا فِي «اللّهُمّ إنّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك» مِنْ الْفَوَائِدِ:

وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: اللّهُمّ إنّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ فَفِيهِ مِنْ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيّةِ وَأَسْرَارِ الْعُبُودِيّةِ مَا لَا يَتّسِعُ لَهُ كِتَابٌ فَإِنّهُ يَتَضَمّنُ الِاعْتِرَافَ بِعُبُودِيّتِهِ وَعُبُودِيّةِ آبَائِهِ وَأُمّهَاتِهِ وَأَنّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِهِ يُصَرّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ دُونَهُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا لِأَنّ مَنْ نَاصِيَتُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ بَلْ هُوَ عَانٍ فِي قَبْضَتِهِ ذَلِيلٌ تَحْتَ سُلْطَانِ قَهْرِهِ.

.إثْبَاتُ الْقَدْرِ وَالْعَدْلِ لِلّهِ فِي: «مَاضٍ فِيّ حُكْمُك»:

وَقَوْلُهُ: «مَاضٍ فِيّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيّ قَضَاؤُكَ» مُتَضَمّنٌ لِأَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ التّوْحِيدِ.
أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ الْقَدَرِ وَأَنّ أَحْكَامَ الرّبّ تَعَالَى نَافِذَةٌ فِي عَبْدِهِ مَاضِيَةٌ فِيهِ لَا انْفِكَاكَ لَهُ عَنْهَا وَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهَا.

.أَسْأَلُك بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَك:

وَالثّانِي: أَنّهُ- سُبْحَانَهُ- عَدْلٌ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ ظَالِمٍ لِعَبْدِهِ بَلْ لَا فَقِيرٌ إلَيْهِ وَمَنْ هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ فَلَا تَخْرُجُ ذَرّةٌ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ عَنْ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ كَمَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَحِكْمَتُهُ نَافِذَةٌ حَيْثُ نَفَذَتْ مَشِيئَتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَلِهَذَا قَالَ نَبِيّ اللّهِ هُودٌ صَلّى اللّهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ خَوّفَهُ قَوْمُهُ بِآلِهَتِهِمْ {إِنّي أُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُوا أَنّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمّ لَا تُنْظِرُونِي إِنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابّةٍ إِلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هُود: 54- 57] أَيْ مَعَ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ آخِذًا بِنَوَاصِي خَلْقِهِ وَتَصْرِيفِهِمْ كَمَا يَشَاءُ فَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لَا يَتَصَرّفُ فِيهِمْ إلّا بِالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالرّحْمَةِ. فَقَوْلُهُ مَاضٍ فِيّ حُكْمُك مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ: {مَا مِنْ دَابّةٍ إِلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} وَقَوْلُهُ عَدْلٌ فِيّ قَضَاؤُك مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ: {إِنّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ثُمّ تَوَسّلَ إلَى رَبّهِ بِأَسْمَائِهِ الّتِي سَمّى بِهَا نَفْسَهُ مَا عَلِمَ الْعِبَادُ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا. وَمِنْهَا: مَا اسْتَأْثَرَهُ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرّبًا وَلَا نَبِيّا مُرْسَلًا وَهَذِهِ الْوَسِيلَةُ أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ وَأَحَبّهَا إلَى اللّهِ وَأَقْرَبُهَا تَحْصِيلًا لِلْمَطْلُوبِ.

.أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي:

ثُمّ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ لِقَلْبِهِ كَالرّبِيعِ الّذِي يَرْتَعُ فِيهِ الْحَيَوَانُ وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ شِفَاءَ هَمّهِ وَغَمّهِ فَيَكُونَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الدّوَاءِ الّذِي يَسْتَأْصِلُ الدّاءَ وَيُعِيدُ الْبَدَنَ إلَى صِحّتِهِ وَاعْتِدَالِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِحُزْنِهِ كَالْجَلَاءِ الّذِي يَجْلُو الطّبُوعَ وَالْأَصْدِيَةَ وَغَيْرَهَا فَأَحْرَى بِهَذَا الْعِلَاجِ إذَا صَدَقَ الْعَلِيلُ فِي اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ دَاءَهُ وَيُعْقِبَهُ شِفَاءً تَامّا وَصِحّةً وَعَافِيَةً وَاللّهُ الْمُوَفّقُ.

.دَعْوَةُ ذِي النّونِ:

وَأَمّا دَعْوَةُ ذِي النّونِ فَإِنّ فِيهَا مِنْ كَمَالِ التّوْحِيدِ وَالتّنْزِيهِ لِلرّبّ تَعَالَى وَاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِظُلْمِهِ وَذَنْبِهِ مَا هُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَدْوِيَةِ الْكَرْبِ وَالْهَمّ وَالْغَمّ وَأَبْلَغِ الْوَسَائِلِ إلَى اللّهِ- سُبْحَانَهُ- فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ فَإِنّ التّوْحِيدَ وَالتّنْزِيهَ يَتَضَمّنَانِ إثْبَاتَ كُلّ كَمَالِ اللّهِ وَسَلْبَ كُلّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ وَتَمْثِيلٍ عَنْهُ. وَالِاعْتِرَافُ بِالظّلْمِ إيمَانَ الْعَبْدِ بِالشّرْعِ وَالثّوَابَ وَالْعِقَابَ وَيُوجِبُ انْكِسَارَهُ وَرُجُوعَهُ إلَى اللّهِ وَاسْتِقَالَتَهُ عَثْرَتَهُ وَالِاعْتِرَافَ بِعُبُودِيّتِهِ وَافْتِقَارَهُ إلَى رَبّهِ فَهَاهُنَا أَرْبَعَةُ أُمُورٍ قَدْ وَقَعَ التّوَسّلُ بِهَا: التّوْحِيدُ وَالتّنْزِيهُ وَالْعُبُودِيّةُ وَالِاعْتِرَافُ.

.اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمّ وَالْحَزَنِ:

وَأَمّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمّ وَالْحَزَنِ فَقَدْ تَضَمّنَ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ كُلّ اثْنَيْنِ مِنْهَا قَرِينَانِ مُزْدَوَجَانِ فَالْهَمّ وَالْحَزَنُ أَخَوَانِ وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ أَخَوَانِ وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ أَخَوَانِ وَضَلَعُ الدّيْنِ وَغَلَبَةُ الرّجَالِ أَخَوَانِ فَإِنّ الْمَكْرُوهَ الْمُؤْلِمَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْقَلْبِ فَإِمّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَمْرًا مَاضِيًا فَيُوجِبُ لَهُ الْحُزْنَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُتَوَقّعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْجَبَ الْهَمّ وَتَخَلّفُ الْعَبْدِ عَنْ مَصَالِحِهِ وَتَفْوِيتُهَا عَلَيْهِ إمّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ أَوْ مِنْ عَدَمِ الْإِرَادَةِ وَهُوَ الْكَسَلُ وَحَبْسُ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَنِي جَنْسِهِ إمّا أَنْ يَكُونَ مَنَعَ نَفْعَهُ بِبَدَنِهِ فَهُوَ الْجُبْنُ أَوْ بِمَالِهِ فَهُوَ الْبُخْلُ وَقَهْرُ النّاسِ لَهُ إمّا بِحَقّ فَهُوَ ضَلَعُ الدّيْنِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَهُوَ غَلَبَةُ الرّجَالِ فَقَدْ تَضَمّنَ الْحَدِيثُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلّ شَرّ وَأَمّا تَأْثِيرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي دَفْعِ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالضّيقِ فَلَمّا اشْتَرَكَ فِي الْعِلْمِ بِهِ أَهْلُ الْمِلَلِ وَعُقَلَاءُ كُلّ أُمّةٍ أَنّ الْمَعَاصِيَ وَالْفَسَادَ تُوجِبُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْخَوْفَ وَالْحُزْنَ وَضِيقَ الصّدْرِ وَأَمْرَاضَ الْقَلْبِ حَتّى إنّ أَهْلَهَا إذَا قَضَوْا مِنْهَا أَوْطَارَهُمْ وَسَئِمَتْهَا نَفُوسُهُمْ ارْتَكَبُوهَا دَفْعًا لِمَا يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ مِنْ الضّيقِ وَالْهَمّ وَالْغَمّ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْفُسُوقِ:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذّةٍ ** وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا

.التّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ:

وَإِذَا كَانَ هَذَا تَأْثِيرَ الذّنُوبِ وَالْآثَامِ فِي الْقُلُوبِ فَلَا دَوَاءَ لَهَا إلّا التّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ.

.الصّلَاةُ وَتَأْثِيرُهَا فِي تَفْرِيحِ الْقَلْبِ:

وَأَمّا الصّلَاةُ فَشَأْنُهَا فِي تَفْرِيحِ الْقَلْبِ وَتَقْوِيتِهِ وَشَرْحِهِ وَابْتِهَاجِهِ وَلَذّتِهِ أَكْبَرُ شَأْنٍ وَفِيهَا مِنْ اتّصَالِ الْقَلْبِ وَالرّوحِ بِاَللّهِ وَقُرْبِهِ وَالتّنَعّمِ بِذِكْرِهِ وَالِابْتِهَاجِ بِمُنَاجَاتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقُوَاهُ وَآلَاتِهِ فِي عُبُودِيّتِهِ وَإِعْطَاءِ كُلّ عُضْوٍ حَظّهُ مِنْهَا وَاشْتِغَالِهِ عَنْ التّعَلّقِ بِالْخَلْقِ وَمُلَابَسَتِهِمْ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ وَانْجِذَابِ قُوَى قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ إلَى رَبّهِ وَفَاطِرِهِ وَرَاحَتِهِ مِنْ عَدُوّهِ حَالَةَ الصّلَاةِ مَا صَارَتْ بِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرّحَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ الّتِي لَا تُلَائِمُ إلّا الْقُلُوبَ الصّحِيحَةَ. وَأَمّا الْقُلُوبُ الْعَلِيلَةُ فَهِيَ كَالْأَبْدَانِ لَا تُنَاسِبُهَا إلّا الْأَغْذِيَةُ الْفَاضِلَةُ. فَالصّلَاةُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَدَفْعِ مَفَاسِدِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهِيَ مُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ وَدَافِعَةٌ لِأَدْوَاءِ الْقُلُوبِ وَمُطْرِدَةٌ لِلدّاءِ عَنْ الْجَسَدِ وَمُنَوّرَةٌ لِلْقَلْبِ وَمُبَيّضَةٌ لِلْوَجْهِ وَمُنَشّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ وَالنّفْسِ وَجَالِبَةٌ لِلرّزْقِ وَدَافِعَةٌ لِلظّلْمِ وَنَاصِرَةٌ لِلْمَظْلُومِ وَقَامِعَةٌ لِأَخْلَاطِ الشّهَوَاتِ وَحَافِظَةٌ لِلنّعْمَةِ وَدَافِعَةٌ لِلنّقْمَةِ وَمُنْزِلَةٌ لِلرّحْمَةِ وَكَاشِفَةٌ لِلْغُمّةِ وَنَافِعَةٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَوْجَاعِ الْبَطْنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهَدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَآنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا نَائِمٌ أَشْكُو مِنْ وَجَعِ بَطْنِي فَقَالَ لِي: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشِكَمَتْ دَرْدْ؟ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قُمْ فَصَلّ فَإِنّ فِي الصّلَاةِ شِفَاءً وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنّهُ هُوَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ وَهُوَ أَشْبَهُ. وَمَعْنَى هَذِهِ اللّفْظَةِ بِالْفَارِسِيّ أَيُوجِعُك بَطْنُك؟.

.الرّدّ عَلَى الْأَطِبّاءِ الْمُنْكِرِينَ لِفَائِدَةِ الصّلَاةِ فِي الْعِلَاجِ:

فَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُ زِنْدِيقِ الْأَطِبّاءِ بِهَذَا الْعِلَاجِ فَيُخَاطَبُ بِصِنَاعَةِ الطّبّ وَيُقَالُ لَهُ الصّلَاةُ رِيَاضَةُ النّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا إذْ كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرَكَاتٍ وَأَوْضَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الِانْتِصَابِ وَالرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَالتّوَرّكِ وَالِانْتِقَالَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْضَاعِ الّتِي يَتَحَرّكُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْمَفَاصِلِ وَيَنْغَمِزُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ وَالْأَمْعَاءِ وَسَائِرِ آلَاتِ النّفْسِ وَالْغِذَاءِ فَمَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْحَرَكَاتِ تَقْوِيَةٌ وَتَحْلِيلٌ لِلْمَوَادّ وَلَا سِيّمَا بِوَاسِطَةِ قُوّةِ النّفْسِ وَانْشِرَاحِهَا فِي الصّلَاةِ فَتَقْوَى الطّبِيعَةُ فَيَنْدَفِعُ الْأَلَمُ وَلَكِنْ دَاءُ الزّنْدَقَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَمّا جَاءَتْ بِهِ الرّسُلُ وَالتّعَوّضِ عَنْهُ بِالْإِلْحَادِ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إلّا نَارٌ تَلَظّى لَا يَصِلَاهَا إلّا الْأَشْقَى الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّى.

.تَأْثِيرُ الْجِهَادِ فِي دَفْعِ الْهَمّ:

وَأَمّا تَأْثِيرُ الْجِهَادِ فِي دَفْعِ الْهَمّ وَالْغَمّ فَأَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْوِجْدَانِ فَإِنّ النّفْسَ مَتَى تَرَكَتْ صَائِلَ الْبَاطِلِ وَصَوْلَتَهُ وَاسْتِيلَاءَهُ اشْتَدّ هَمّهَا وَغَمّهَا وَكَرْبُهَا وَخَوْفُهَا فَإِذَا جَاهَدَتْهُ لِلّهِ أَبْدَلَ اللّهُ ذَلِكَ الْهَمّ وَالْحُزْنَ فَرَحًا وَنَشَاطًا وَقُوّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التّوْبَة: 14- 15] فَلَا شَيْءَ أَذْهَبُ لِجَوَى الْقَلْبِ وَغَمّهِ وَهَمّهِ وَحُزْنِهِ مِنْ الْجِهَادِ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ.

.تَأْثِيرُ الْحَوْقَلَةِ فِي دَفْعِ الْهَمّ:

وَأَمّا تَأْثِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ فِي دَفْعِ هَذَا الدّاءِ فَلِمَا فِيهَا مِنْ كَمَالِ التّفْوِيضِ وَالتّبَرّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوّةِ إلّا بِهِ وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ كُلّهِ لَهُ وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَعُمُومُ ذَلِكَ لِكُلّ تَحَوّلٍ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيّ وَالسّفْلِيّ وَالْقُوّةِ عَلَى ذَلِكَ التّحَوّلِ وَأَنّ ذَلِكَ كُلّهُ بِاَللّهِ وَحْدَهُ فَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْءٌ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إنّهُ مَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنْ السّمَاءِ وَلَا يَصْعَدُ إلَيْهَا إلّا بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِاَللّهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي طَرْدِ الشّيْطَانِ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْفَزَعِ وَالْأَرَقِ الْمَانِعِ مِنْ النّوْمِ:

رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْ بُريْدَةَ قَالَ شَكَى خَالِدٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَامُ اللّيْلَ مِنْ الْأَرَقِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَوَيْتَ إلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظَلّتْ وَرَبّ الْأَرْضِينَ وَمَا أَقَلّتْ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلّتْ كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرّ خَلْقِكَ كُلّهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ يَبْغِيَ عَلَيّ عَزّ جَارُك وَجَلّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ وَفِيهِ أَيْضًا: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُعَلّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلّمُهُنّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ. وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْعُوذَةِ لِعِلَاجِ هَذَا الدّاءِ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ دَاءِ الْحَرِيقِ وَإِطْفَائِهِ:

يُذْكَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْحَرِيقَ فَكَبّرُوا فَإِنّ التّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ» لَمّا كَانَ الْحَرِيقُ سَبَبُهُ النّارُ وَهِيَ مَادّةُ الشّيْطَانِ الّتِي خُلِقَ مِنْهَا وَكَانَ فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامّ مَا يُنَاسِبُ الشّيْطَانَ بِمَادّتِهِ وَفِعْلِهِ كَانَ لِلشّيْطَانِ إعَانَةٌ عَلَيْهِ وَتَنْفِيذٌ لَهُ وَكَانَتْ النّارُ تَطْلُبُ بِطَبْعِهَا الْعُلُوّ وَالْفَسَادَ وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ وَهُمَا الْعُلُوّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ هُمَا هَدْيُ الشّيْطَانِ وَإِلَيْهِمَا يَدْعُو وَبِهِمَا يُهْلِكُ بَنِي آدَمَ فَالنّارُ وَالشّيْطَانُ كُلّ مِنْهُمَا يُرِيدُ الْعُلُوّ فِي عَزّ وَجَلّ- تَقْمَعُ الشّيْطَانَ وَفِعْلَهُ.

.أَثَرُ التّكْبِيرِ فِي إخْمَادِ النّارِ مَادّةِ الشّيْطَانِ:

وَلِهَذَا كَانَ تَكْبِيرُ اللّهِ- عَزّ وَجَلّ- لَهُ أَثَرٌ فِي إطْفَاءِ الْحَرِيقِ فَإِنّ كِبْرِيَاءَ اللّهِ- عَزّ وَجَلّ- لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ فَإِذَا كَبّرَ الْمُسْلِمُ رَبّهُ أَثّرَ تَكْبِيرُهُ فِي خُمُودِ النّارِ وَخُمُودِ الشّيْطَانِ الّتِي هِيَ مَادّتُهُ فَيُطْفِئُ الْحَرِيقَ وَقَدْ جَرّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا هَذَا فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ:

.قِوَامُ الْبَدَنِ عَلَى الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ:

لَمّا كَانَ اعْتِدَالُ الْبَدَنِ وَصِحّتُهُ وَبَقَاؤُهُ إنّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الرّطُوبَةِ الْمُقَاوِمَةِ لِلْحَرَارَةِ فَالرّطُوبَةُ مَادّتُهُ وَالْحَرَارَةُ تُنْضِجُهَا وَتَدْفَعُ فَضَلَاتِهَا وَتُصْلِحُهَا وَتُلَطّفُهَا وَإِلّا أَفْسَدَتْ الْبَدَنَ وَلَمْ يُمْكِنْ قِيَامُهُ وَكَذَلِكَ الرّطُوبَةُ هِيَ غِذَاءُ الْحَرَارَةِ فَلَوْلَا الرّطُوبَةُ لَأَحْرَقَتْ الْبَدَنَ وَأَيْبَسَتْهُ وَأَفْسَدَتْهُ فَقِوَامُ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبَتِهَا وَقِوَامُ الْبَدَنِ بِهِمَا جَمِيعًا وَكُلّ مِنْهُمَا مَادّةٌ لِلْأُخْرَى فَالْحَرَارَةُ مَادّةٌ لِلرّطُوبَةِ تَحْفَظُهَا وَتَمْنَعُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَالرّطُوبَةُ مَادّةٌ لِلْحَرَارَةِ تَغْذُوهَا وَتَحْمِلُهَا وَمَتَى مَالَتْ إحْدَاهُمَا إلَى الزّيَادَةِ عَلَى الْأُخْرَى حَصَلَ لِمِزَاجِ الْبَدَنِ الِانْحِرَافُ بِحَسَبِ ذَلِكَ فَالْحَرَارَةُ دَائِمًا تُحَلّلُ الرّطُوبَةَ فَيَحْتَاجُ الْبَدَنُ إلَى مَا بِهِ يُخْلَفُ عَلَيْهِ مَا حَلّلَتْهُ الْحَرَارَةُ- لِضَرُورَةِ بَقَائِهِ- وَهُوَ الطّعَامُ وَالشّرَابُ وَمَتَى زَادَ عَلَى مِقْدَارِ التّحَلّلِ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ عَنْ تَحْلِيلِ فَضَلَاتِهِ فَاسْتَحَالَتْ مَوَادّ رَدِيئَةٍ فَعَاثَتْ فِي الْبَدَنِ وَأَفْسَدَتْ فَحَصَلَتْ الْأَمْرَاضُ الْمُتَنَوّعَةُ بِحَسَبِ تَنَوّعِ مَوَادّهَا وَقَبُولِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِعْدَادِهَا وَهَذَا كُلّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الْأَعْرَافِ 31] فَأَرْشَدَ عِبَادَهُ إلَى إدْخَالِ مَا يُقِيمُ الْبَدَنَ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ عِوَضَ مَا تَحَلّلَ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ فِي الْكَمّيّةِ وَالْكَيْفِيّةِ فَمَتَى جَاوَزَ ذَلِكَ كَانَ إسْرَافًا وَكِلَاهُمَا مَانِعٌ مِنْ الصّحّةِ جَالِبٌ لِلْمَرَضِ أَعْنِي عَدَمَ الْأَكْلِ وَالشّرْبِ أَوْ الْإِسْرَافَ فِيهِ. دَائِمًا فِي التّحَلّلِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَكُلّمَا كَثُرَ التّحَلّلُ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ لِفَنَاءِ مَادّتِهَا فَإِنّ كَثْرَةَ التّحَلّلِ تُفْنِي الرّطُوبَةَ وَهِيَ مَادّةُ الْحَرَارَةِ وَإِذَا ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ ضَعُفَ الْهَضْمُ وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتّى تَفْنَى الرّطُوبَةُ وَتَنْطَفِئَ الْحَرَارَةُ جُمْلَةً فَيَسْتَكْمِلُ الْعَبْدُ الْأَجَلَ الّذِي كَتَبَ اللّهُ لَهُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ.

.غَايَةُ عِلَاجِ الْإِنْسَانِ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ:

فَغَايَةُ عِلَاجِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ حِرَاسَةُ الْبَدَنِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا أَنّهُ يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ اللّتَيْنِ بَقَاءُ الشّبَابِ وَالصّحّةِ وَالْقُوّةِ بِهِمَا فَإِنّ هَذَا مِمّا لَمْ يَحْصُلْ لِبَشَرٍ فِي هَذِهِ الدّارِ وَإِنّمَا غَايَةُ الطّبِيبِ أَنْ يَحْمِيَ الرّطُوبَةَ عَنْ مُفْسِدَاتِهَا مِنْ الْعُفُونَةِ وَغَيْرِهِ وَيَحْمِيَ الْحَرَارَةَ عَنْ مُضْعِفَاتِهَا وَيَعْدِلَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ فِي التّدْبِيرِ الّذِي بِهِ قَامَ بَدَنُ الْإِنْسَانِ كَمَا أَنّ بِهِ قَامَتْ السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ إنّمَا قِوَامُهَا بِالْعَدْلِ وَمَنْ تَأَمّلَ هَدْيَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَدَهُ أَفْضَلَ هَدْيٍ يُمْكِنُ حِفْظُ الصّحّةِ بِهِ فَإِنّ حِفْظَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى حُسْنِ تَدْبِيرِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْهَوَاءِ وَالنّوْمِ وَالْيَقَظَةِ وَالْحَرَكَةِ وَالسّكُونِ وَالْمَنْكَحِ وَالِاسْتِفْرَاغِ وَالِاحْتِبَاسِ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَدِلِ الْمُوَافِقِ الْمُلَائِمِ لِلْبَدَنِ وَالْبَلَدِ وَالسّنّ وَالْعَادَةِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى دَوَامِ الصّحّةِ أَوْ غَلَبَتِهَا إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ.

.الصّحّةُ مِنْ أَجَلّ النّعَمِ وَذِكْرُ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ:

وَلَمّا كَانَتْ الصّحّةُ وَالْعَافِيَةُ مِنْ أَجَلّ نِعَم اللّهِ عَلَى عَبْدِهِ وَأَجْزَلِ عَطَايَاهُ وَأَوْفَرِ مِنَحِهِ بَلْ الْعَافِيَةُ الْمُطْلَقَةُ أَجَلّ النّعَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَحَقِيقٌ لِمَنْ رُزِقَ حَظّا مِنْ التّوْفِيقِ مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا وَحِمَايَتُهَا عَمّا يُضَادّهَا وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ: الصّحّةُ وَالْفَرَاغُ» وَفِي التّرْمِذِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنّمَا حِيزَتْ لَهُ الدّنْيَا» وَفِي التّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَك وَنَرْوِك مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ» وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السّلَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ} [التّكَاثُرِ 8] قَالَ عَنْ الصّحّةِ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلْعَبّاسِ يَا عَبّاسُ يَا عَمّ رَسُولِ اللّهِ سَلْ اللّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ سَلُوا اللّهَ الْيَقِينَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ فَجَمَعَ بَيْنَ عَافِيَتَيْ الدّينِ وَالدّنْيَا وَلَا يَتِمّ صَلَاحُ الْعَبْدِ فِي الدّارَيْنِ إلّا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ وَالْعَافِيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ. وَفِي سُنَنِ النّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ سَلُوا اللّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرًا مِنْ مُعَافَاةٍ وَهَذِهِ الثّلَاثَةُ تَتَضَمّنُ إزَالَةَ الشّرُورِ الْمَاضِيَةِ بِالْعَفْوِ وَالْحَاضِرَةِ بِالْعَافِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ بِالْمُعَافَاةِ فَإِنّهَا تَتَضَمّنُ الْمُدَاوَمَةَ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَافِيَةِ. وَفِي التّرْمِذِيّ مَرْفُوعًا: مَا سُئِلَ اللّهُ شَيْئًا أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ وَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ يُحِبّ مَعَكَ الْعَافِيَةَ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ أَعْرَابِيّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ مَا أَسْأَلُ اللّهَ بَعْدَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ؟ فَقَالَ سَلْ اللّهَ الْعَافِيَةَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ فِي الثّالِثَةِ سَلْ اللّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ.